المضمر الثقافيّ وتمظهرات النسق في الخطاب الشعريّ النسائيّ في العصر العباسيّ
الملخص
يحاولُ البحثُ تقديمَ مكاشفةٍ ثقافيّةٍ للخطابِ الشعريِّ النسائيِّ العباسيِّ، ومقاربته مقاربةً نقديّة ثقافيّة، تتسلّح باستراتيجيات قرائيّة خاصّة تقتضيها طبيعةُ القراءةِ الثقافيّةِ التي تنهضُ على طروحات ورؤى خاصّة جوهرها التعامل مع الخطابات بوصفِها أحداثاً ثقافيّةً لامحض تهويماتٍ جماليّة بلاغيّة، صانُعها مؤلِّف مزدوج؛ مؤلِّف ظاهر (صاحب النص)، ومؤلِّف مضمر (الثقافة)، وتجسّر بين هذين القطبين علاقة يشوبُها الاستلاب، تتمثّلها السياقات النصيّة للخطاباتِ المتنوّعة في المنظومةِ الثقافيّةِ ماخلا حالات التمرّد، وكسر الأنساق.
إنّ سبرَ أغوارِ الخطابات بعينِ النقدِ الثقافيِّ يقتضي بالضرورة الحفر الأركيولوجيّ في مستويات الأبنية النصّيّة، وإعمال معول الهدم بمفهومه التفكيكيّ، وملاحقة الدوالّ في انزلاقاتِها نحو الدلالةِ النسقيّة المضمرة داخل أطر الفضاءات النصيّة المتنوعة، وتأّمّل علائقيتها، وارتباطاتها النصّيّة وخارج النصّيّة في رحلتها لإنتاج الدلالات التي تتوالد تَتْرى، تقود إحداها إلى الأخرى، وصولاً إلى المجاز النصيّ الكبير الذي تشكّل الدلالة النسقيّة ثيمةً جزئيّةً مكثّفةً منه، تابعة له، منوطة به، ومساهمة في تشكيله في آنٍ معاً.
في الواقع إنّ الكشف عن المضمر الثقافيّ، وتعرية أنساقِه القابعةِ في أعماقِ النصوصِ الشعريّةِ، والمغلّفةِ بالبلاغيِّ والجماليِّ مهمّة ٌثقافيّة ٌتشكّل الغايةَ المحوريّة للقراءاتِ النقديّة الثقافيّة التي تسلّط الضوء على التمظهرات النصّيّة للنسق الثقافيّ المهيمن، لتحيقه بالشكّ، وتطوّقه بالاتهامات، وتسائله مفندةً مواضعاتِه الفحوليّةَ ، وتفضح ممارساتِه وهشاشةَ حججه التي يعوزُها المنطق والعدالة، وتزعزع المركزيّاتِ النسقيّةَ، وتنزع منها هيمنتَها لصالح الهامش الذي يغادرُ ظلمةَ الإهمال إلى بؤرة الضوء.